کد مطلب:309796 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:266

القسمت 33


انطوی یوم الاثنین و قد ألقی الحزن كلاكله فوق الأرض كغراب اسطوری. فاطمة تنوء بنفسها و قد اسندت رأسها إلی صدر لم یعد النسیم یزوره.

كانت تصغی إلی صمت الأنبیاء وللصمت حدیث تسمعه القلوب و تصغی إلیه العقول، العینان اللتان كانتا نافذتی نور قد اسدلتا جفونهما والیدان اللتان كانتا مهداً هما الآن مسبلتان. الروح التی كانت تصنع التاریخ و الإنسان قد رحلت بعیداً. غادرت هذا الكوكب الزاخر بالویلات.

لقد حلّت لحظة الفراق، و تخفف الإنسان السماوی من ثوبه الأرضی لیرحل إلی عوالم حافلة بالنور و قد سمع أهل الأرض كلمات النبی، كان ینظر إلی السماوات و یهتف:

- بل الرفیق الأعلی.


أیُّها الصامت.. صمتك أبلغ من كل أبجدیات الدنیا و سكونك المدوی صرخة حقّ فی عالم الأباطیل. و قد زلزلت الأرض زلزالها، انهار عمود خیمة كانت تعصف بها الریح.. و تمزّق الكساء الیمانی، و كان یدّثر نبیّاً هو خاتم الأنبیاء و رجلاً یشبه هارون فی كل شی ء إلّا النبوة، وامرأة هی سیدة بنات حوّاء وسبطین هما آخر الأسباط فی التاریخ.

جثا علی أمام جسد كانت روحه العظیمة تضی ء الجزیرة و بقایا نور فی الجبین البارد تشبه شمساً جنحت للمغیب.. وهناك خلف جدران المنزل الذی جثم علیه حزن سرمدی كانت ترتفع ضجّة رجال.. كریح صفراء كانت تقترب من المسجد حیث لا یفصله عن المنزل سوی جدار یكاد أن ینهدّ.

و خفّ رجل هاشمی یحمل انباء السقیفة..

ستهب الریح عاصفة مدمّرة.. لاتبقی و لا تذر. تساءل علی:

- ما قالت الأنصار؟

- قالت منّا أمیر و منكم أمیر.

- فهلاً احتججتم علیهم بأنّ رسول اللَّه وصی بأن یحسن إلی محسنهم و یتجاوز عن مسیئهم.

- و ما فی هذا من الحجّة علیهم؟

- لو كانت الإمامة فیهم لم تكن الوصیة بهم، سكت هنیهة و سأل:


- فماذا قالت قریش؟

- قالت: انا شجرة محمد.

تتم علی بأسی:

- احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة.

وقف هارون حائراً یتأمل رمال سیناء.. یترقّب عودة أخیه.. و كان موسی یمم وجهه شطر الجبل..

- ما أعجلك عن قومك یا موسی؟

- هم أولاء علی أثری وعجلت الیك رب لترضی.

- فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك و أضلّهم السامریّ.

وعاد موسی غضبان أسفاً یحمل معه ألواح السماء.

و كان هارون یقاوم العاصفة و كان العجل یخور وسط العاكفین. قال هارون مشفقاً:

- إنّما فتنتم به و إن ربّكم الرحمن فاتبعونی واطیعوا أمری.

- لن نبرح علیه عاكفین حتی یعود الینا موسی.

و لمّا عاد موسی ألقی الألواح و قال بغضب:

- بئسما خلفتمونی من بعدی.

و قال هارون بحزن:

- إنّ القوم استضعفونی و كادوا یقتلوننئ.


ولمّا سكت عن موسی الغضب أخذ الألواح و تمتم:

- إن الذین اتخذوا العجل سینالهم غضب من ربِّهم و ذلّة فی الحیاة الدنیا. ونظر موسی إلی السماء و قال متضرعاً:

- ربِّ اغفر لی و لأخی و أدخلنا فی رحمتك و انت أرحم الراحمین.

و التفت موسی إلی السامریّ:

- ما خطبك یا سامریّ؟

- بصرتُ بما لم یبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبدتها و كذلك سوّلت لی نفسی.

قال موسی و هو ینبذه فی قلب التیه:

- إذهب فإن لك فی الحیاة ان تقول لامساس و ان لك موعداً لن تخلفه وانظر إلی إلهك الذی ظلت علیه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه فی الیم نسفاً.

وضاع السامریّ فی التیه.. بین تموّجات الصحراء.. وعواء الذئاب. كان صوته یتبدد فی المدی یبحث عن وطن.. والوطن لا یقبل شجراً مجتثاً من فوق الأرض ماله من قرار.

الصحراء بعیدة.. و الرجل المنبوذ یشدّ إلی جسده عباءة خرّقتها الریح و هو یطوی التیه.. یقبض قبضة من الرمال یشمّها علّه یجد فیها أثر الرسول... ولكن لا شی ء سوی الریح حتی إذا بلغ «فدك» من أرض الجزیرة تهالك عند جذوعها ینازع الموت و قد أیقظت العرب أوثانها.